شمسطار تجمع الشرق والغرب في زفاف إيفان العزير وماريون تسونو

كتب قاسم محمد العزير

قيل يوماً أن الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا.. تكررت المقولة حتى ترسخت وغدت أقرب إلى الحقيقة الثابتة. تباعدت الجهتان كثيراً على امتداد المحطات التاريخية المختلفة. وساد الظن أن التلاقي مستحيل.

أمكن لحفل زفاف شهدته بلدة شمسطار البعلبكية على امتداد يومي الخميس والجمعة في الثالث عشر والرابع عشر من شهر تموز الجاري أن ينفي المقولة الرائجة. وأن يستبدلها بما يناقضها: تلاقي الشرق والغرب ليس ممكناً فقط، بل هو حتمي أيضاً، عندما تكون الكلمة للقلوب المفعمة بالحب والمترعة بالأمل.

بدأت الحكاية لحظة التقاء الشاب اللبناني إيفان علي العزير بالفتاة الفرنسية ماريون فرانسيس تسونو لتبدأ بينهم قصة حب عاصفة. سرعان ما آل اللقاء إلى قرار بالإرتباط على وقع انسجام مشاعري مترف بالعاطفة. هكذا خرجت بطاقات الدعوة إلى حفل زفاف الدكتور إيفان والآنسة ماريون لتتلقفها أيدي المدعويين بحماسة نادرة. لم تختلف بطاقة الدعوة عن مثيلاتها المعتمدة في لبنان ولم تخرج عن النسق التقليدي، جاءت متوجة بآيات قرآنية، ومروسة بأسماء أولياء أمور العريسين. تم اللقاء العائلي في فيلا الدكتور علي العزير، والد العريس، في شمسطار. من فرنسا حضرت العروس محاطة بأهلها وعائلتها وأصدقاء العائلة. سرعان ما تحول الشارع المحيط بالفيللا إلى ساحة مقفلة. وزعت المقاعد في أرجائها الشاسعة ليشغلها المدعوون.. وكانو كثراً. اختلط الحابل اللبناني بالنابل الفرنسي. ثم صدحت الموسيقى تدعو الناس إلى الرقص. وقد لبى الجميع الدعوة دون عناء. أدرك الضيوف أن استجابتهم لحفاوة مضيفيهم تتطلب الإنسجام مع آدائهم المعبر عن فرحهم. سريعاً راحت حركة الأقدام الفرنسية تتناغم مع الإيقاع الشرقي رقصاً ودبكة ومزيجاً متقناً من هذا وتلك. اكتسب المشهد سوريالية لافتة. ليطلق استنتاجاً مفاجئاً: قد تتباين العادات والتقاليد والقيم والمفاهيم، لكن الفرح الإنساني في جوهره واحد. بدا أن الحاضرين يتنافسون في إظهار ما تنطوي عليه نفوسهم من فطرة وعفوية ورغبة كامنة في استنبات الأمل الطافح بالبشرى. اهتزت الأجساد طرباً. والتهبت الأكف تصفيقاً. وصدحت الحناجر بالزغاريد التي أدهشت الجميع. كل ذلك جاء مترافقاً مع نكهات التوابل الشرقية المتصاعدة من موائد مترامية حافلة بالأطايب. بدت الدهشة سيدة اللحظة. ثم كان هنالك ما يدفع بها نحو أقاصيها: حضور فرقة بر الياس للزفة التي ينطوي آداء أفرادها على كم هائل من الإبداع المحترف.. عندما تعالت الأناشيد التي أطلقتها الفرقة لم يعد الموقف يتسع لمزيد. صار الإصغاء المقترن بالذهول خياراً أوحد.

بسرعة لافتة أمكن للنفوس المترقبة أن تخرج من حيز الواقع لتدخل طائعة في رحاب المخيلة المعطاء. لحظات قليلة من الصخب الهادر أمكنها تحرير الزمن من سطوة الراهن لتؤول إمرته إلى الروعة النقية. تطايرت العباءات الموشاة بزخارف شتى. ولوحت المناديل بآمال واعدة لطالما قصرت عنها وقائع العيش. ثم تراقصت السيوف على ايقاع الحداء الأصيل. الخميرة، التي ترمز لدى الشرقيين إلى آلية قدرية لاستجلاب الوفرة، تلقفتها، لمرة غير مسبوقة ربما، أنامل فرنسية ناعمة. كانت ليلة جديدة تضاف إلى سيرة الأساطير التي يزخر بها شرق حالم بالمستحيل.

في اليوم التالي كان على الفرح أن يحط رحاله في منتجع “التلال” في كسارة. وأن يسلس قياده إلى مظاهر باذخة تميز المناسبات التي يشهدها العمر لمرة واحدة لتجعل ذكراها راسخة على امتداده.نثر الفنان هادي خليل باقة مفعمة بالشجن من أرقى ما احتوته حدائق الغناء والطرب في الشرق. وكان حضور الفنان ملحم زين أقرب إلى حبة الفاكهة التي تزين قالب الحلوى الفاخر. مجدداً تمايلت الأجساد لترسم لوحات زاخرة بالكثير من العفوية والدهشة، متناغمة مع ألوان الفرح التي شهدت ولادة لون جديد لم تعرفه سابقاً.

ألف مبروك للعروسين.. بالرفاه والبنين