طلال سلمان يترجل عن صهوة الكلمة.. هكذا تفعل النسور.

أبتها القامة الشامخة وداعاً

كتب علي العزير

في ذاكرة الحياة نقاطٌ مضيئةٌ تستعصي على الغياب.
وبين أعلامها قاماتٌ شامخةٌ شاهقة أبت الإنحناءَ أمامَ رعونة الريح وعناد العاصفة ورداءة المناخ.
وفي تجارب العيش أمثولاتٌ ناضحةٌ بالمعنى. ارتقت إلى ذرى الإنجاز متغاضيةً عن ضآلة القدرة وتواضع المنشأ.
وعلى امتداد الرأي والرؤية سيرةٌ باذخةٌ لقلمٍ عصامي فائقِ الكرم. قلمٌ معطاء تعمق متوغلاً في أحشاء الحقيقة، وتعملق متيقناً على روابي المعرفة، ليتألق مشعاً فوق صفحات الضوء.
ثم صار حكايةَ فخرٍعابقةً بكل ومضات الصحو، زاخرةً بكل مكامن الإدراك. ومتمكنةً من كل موجبات الدهشة.

وفي عمق المخيلة الجامعة ثمة طلال سلمان. الفارسُ الذي عانق صهوةَ الإبداع طويلاً. الفلاحُ الذي زرع الأزهارَ الزاهيةَ الفاتنةَ على الطريق الوعرة. الطريقِ الموحشة لقلة السالكين.
طلال سلمان القادمُ من صوب أمنيةٍ، والراحلُ نحو حلمٍ موشى برونق التجلي.
في متن الحكاية رجلٌ ثاقبُ الفكر. تماهى مع التجربة استدلالاً، خبر صنوفَها وتداعياتِها وأسرارَها وخفاياها. مشى واثقاً فوق مائها النقي، مستوعباً عبرَ الماضي، محتضناً هواجسَ الحاضر، ومستلهماً رؤى المستقبل برغبةٍ من الإنعتاق والتسامي، فكان للتجربة أن أثمرت حدائقَ نور، ومساحاتِ صبوة، وتباشيرَ فجرٍ واعدٍ بالضياء.

حياة ملؤها الإنجاز ارتسمت دلالاتُها فوق جبين الفارس المقدام. خفتت تارة وتوهجت ثانية لكنها ظلت دوماًعابقةً بالأمل، عامرةً بالألق، وعصيةً على الإندثار.
تقادمت بها ونحوها السنين فكان لها أن تحفر في أخاديد الزمن دروباً للبقاء، وأن تقتطع من مسامات الأمل مساحة للحضور. لتزهو في زمن اليباس غيوماً وطيوراً وصباحات ندية.
في ذمة البقاء ايها الراحل محملاً بكل آمال البسطاء، بكل اصالة الأمس، وبكل وعود الغد.
في بهاء الحضور أيها العائد مضرجاً بعرق الناس إذا انسكب الناس في اختلاجات يراعك فكنت أميناً وكانوا أوفياء.
استاذي.. اعذرني ان لم اجد ما أودعك به سوى بضع كلمات هي في أصلها لك. لكنه دأب الكبراء: يرضون بأن يُهدى اليهم بعضُ ما هو منهم.
ختاماً ها أنت يا فارس الكلمة قد ترجلت عن صهوة القول مرتحلاً نحو قمة الكلام.. هكذا تفعل النسور.