ملحم زين: فنان يضيء فيُضاء…قاسم محمد العزير

قاسم محمد العزير

درجت العادة أن تقتصر أخبار الفنانين على شؤونهم الخاصة. نادراً ما كانت التفاصيل المثارة حول فنان ما تتجاوز إطاره الشخصي أو العائلي، أو الإجتماعي على أبعد الحدود. هكذا كانت أخبار الأزياء والحفلات والعلاقات العاطفية والأعمال الفنية المستجدة هي أقصى ما يناله المتلقي من نجمه المفضل. لكن ثمة استثناءً لكل قاعدة. ويمثل الفنان المتميز ملحم زين نموذجاً للإستثناء الذي يؤكد القاعدة من حيث هو يكسرها.منذ إنطلاقته الأولى نحو عالم الشهرة حرص ملحم زين على البقاء وفياً لجذوره الإنسانية التي لم يتخل عنها يوماً. هو أبدى الكثير من الإهتمام بخياراته الفنية. حرص على أن يكون مساره الإبداعي منسجماً مع الإطلالة الراقية التي اقتحم من خلالها عالم الأغنية المستوفية لشروط الذائقة ذات المستوى الرفيع. كما أدرك حجم الإثراء الفني الذي يتيحه صوته المتمكن وآداؤه المحترف، ولم يتردد في استغلال إمكاناته ومواهبه بأقصى المستطاع. لكن ذلك، على أهميته وضروريته، لم ينسه للحظة أن الكثير من الواجبات الإنسانية ينتظره على مفترق النجاح والشهرة. أنجز العديد من الخدمات الخيرية التي أبدى حيالها تكتماً شبه مطلق. لم يتسرب منها إلى الملأ إلا ما عجز عن ضبطه، بفعل اصرار أصحاب الحاجات المقضية من خلاله على المبادرة للإعلان عنها تعبيراً عن الإمتنان. على امتداد مسيرته الفنية التي تبرر الإعتداد بإنجازاتها المبهرة كان ملحم يزداد تجذراً في سلوكه الإنساني بالتناسب مع ارتقاء تجربته المهنية المثمرة. كان موجوداً حيث وسعه ذلك. وكان خدوماً ما أمكنه أن يكون.درجت العادة أيضاً أن يسعى الفنان لأن يحيط نفسه بالاضواء حتى درجة الإبهار للمحيطين به. لم يشأ ملحم أن يكون بعيداً عن الضوء لكنه اختار أن يقدمه للناس بدلاً من أن يستأثر به لنفسه. هكذا قرر أن ينير الشوارع المظلمة التي ابتلعت الكثير من الأبرياء في غمرة الليل. تبرع بإضاءة طريق الجنوب. كما قدم هبة لبلدية بلدته شمسطار لإنارة الطريق الواصلة بينها وبين جارتها طاريا باستخدام الطاقة الشمسية. لم يشأ الإكتفاء بما يفعله الناس عادة، ويبرعون فيه غالباً، من لعن الظلام بأقسى العبارات، وأشدها براعة، فضّل أن يضيء الشموس في عز الليل الموحش الذي يرخي بسدوله على لبنان عامة، وعلى منطقته بشكل خاص.قال الصينيون يوماً إن أريج الزهور يلتصق دوماً باليد التي تقدمها. وبوسع ملحم زين أن يضيف إلى قولهم أن بريق الأضواء يشع دوماً من وجوه مانحيها. يضيء المرء فيُضاء.شكراً يا ملحم.